السبت، 4 يناير 2014

محاكمة علي بابا

(1)

عام 1984*، أنتجت السينما المصرية فيلم "محاكمة علي بابا" ، من بطولة يحيى الفخرانى و إسعاد يونس.
الفيلم يحكي باختصار قصة زوجين من الطبقة المتوسطة، يمرّان ببعض المشاكل التربوية مع أبنائهما الثلاثة، ويركز بشكل أساسي مع أصغرهم، تلميذ المرحلة الابتدائية، الذى كوّن رأيا مختلفا فى قصة "على بابا والاربعين حرامي" حين روتها المعلّمة فى المدرسة، ففى حين أن التراث يتداول القصة بمنظور يدلل على ذكاء على بابا، مُركزا على نجاحه فى القضاء على العصابة بمساعدة مُرجانة جاريته المُخلصة، منتصرا على أطماع "قاسم" أخيه الحسود، يلتفت الصغير إلى حقيقة صغيرة مُهمَلة، وهى أن "علي بابا" محض لِص، نجح فى سرقة لصوص آخرين ليكوّن ثروته الخاصة، الشىء الذى يستوجب العقاب لا الاحتفاء والتمجيد..
يحاول يحيى الفخراني تغيير رأى صغيره ويفشل، فما يقوله الصغير يبدو منطقيا بالفعل ، لذا يُقرر فى النهاية - بإيعاز من أم الأطفال إسعاد يونس، وهى طبيبة نفسية تحاول تطبيق طرق الطب النفسي التربوية الحديثة فى تنشئة صغارها - أن يوهم الطفل أن علي بابا نال جزاءه بالفعل، وتمت محاسبته على سرقة العصابة، ويحاول التوصل إلى اتفاق ما مع أحد ضباط الشرطة، ليساعده فى هذه المسرحية الصغيرة، ليوهم الصبى أن على بابا قد نال جزاءه ، ولكن الضابط يظنّه مجرد مخبول آخر ويرسله إلى مستشفى الأمراض العقلية.

****
(2)

لو تعاملنا مع الأمر بمنطق أكثر وتعاطف أقل، سنرتاح نوعا إلى النهاية التي بدت لي عندما شاهدت الفيلم للمرة الأولى - منذ حوالى 12 سنة أو يزيد - مأسوية للغاية. يحيى الفخراني، فى نهاية الأمر، يستحق الذهاب إلى الخانكة، بل إن هذا هو الشىء الوحيد المنطقي فى هذا الفيلم برمته، فمحاولته لمنطقة ما لا يمكن منطقته مثل قصة تراثية، بل والتحايل لإثبات أنها انتهت بما يؤكد ما يستمر فى صياغته لصغيره من قيم ومفاهيم عن الثواب والعقاب طوال الوقت هو عبث مطلق.
ربما، لو برر الأمر للصبي بكون القصة انتهت بالفعل، وأن علي بابا نفسه شخصية افتراضية، لوفر على نفسه وعلى صغيره وعلينا كمشاهدين كل وجع القلب هذا، ولكنّه اختار مجاراة الطفل فى هذا العبث لمُنتهاه، لتثبت من جديد صحة المثل القائل " اللى يمشى ورا العيال ..."

****
(3)
مع بداية 2014، أى بعد مرور 30 عام على هذا الفيلم العبثي، تعيد القصة نفسها على نطاق أوسع، وبشكل مرعب.
فإذا اجتمعت الضغائن التي يكنّها السواد الأعظم من الشعب تجاه شركات الاتصالات عموما، وتجاه فودافون على وجه التحديد - ربما لأنها الأكثر ظهورا، جميع شركات الاتصالات فى مصر سيئة، ماسخم من سيدي إلا ستي وليس هذا موضوعنا الآن - مع الغموض الذى يلف "أبلة فاهيتا" ككيان افتراضى لدمية لها حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر، تنشر من خلالها دعابات مشكلتها الأساسية أنها لا تصل للكثيرين، مع شطحات شخصية مثل أحمد سبايدر ، فى رأيي الخاص لا تقل عبثا عن أبلة فاهيتا نفسها، الشخصية التي يمكن وصفها بال attention whore بضمير مطمئن، لو جمعنا هذا كلّه معا، سنجد القصة تتجسد من جديد.

****
(4)

فى الواقع لم يكن اللافت للنظر هنا هو تعامل سبايدر مع دعابات أبلة فاهيتا كألغاز أو شفرات سريّة ما، يتم تداولها على الفضاء الإلكترونى الرحب أو من خلال إعلان تليفزيون هكذا على مرأى ومسمع من الجميع .. ولا استجابة السُلطات السريعة لبلاغه ومُباشرة التحقيق مع شخصية "خيالية" .. (عادي). اللافت حقا - قُل المفزع إن شئت- هو ميل البعض لتصديق أفكار سبايدر، وانسياقهم بالكلية لفكرة المؤامرة التي تنظمها فودافون مع كل ما يمكنك تصوّره من التيّارات المُعادية للسلطة والأمن القومي (باعتبارهما وجهان لعملة واحدة ) - حتى إذا استحال اتّفاق تلك التيارات فيما بينها، ولكن لم لا؟ - فأبلة فاهيتا عميلة للإخوان، و6 ابريل، والماسونيين، وإسرائيل وأمريكا، والنوبة كمان مرة، وفلول النظام السابق، كل هؤلاء اجتمعوا لتكوين شفرات غير مفهومة يتم بثّها على لسان دُمية قطنية من خلال إعلان تليفيزيونى تموّله شركة ماسونية صهيونية علمانية كافرة لتنظيم سلسلة تفجيرات فى أنجاء البلاد !!

*****
(5)

ميلنا كشعب لنظرية المؤامرة ليس وليد اللحظة مُطلقا، ولكن، أن يشك مواطن مصري طبيعي فى شخصية افتراضية كأبلة فاهيتا كضلع فى مؤامرة كونية ما تحيكها قوى الشر ضد بلد الأمن والأمان؟ الأمر يستحق وقفة.. نحن بحاجة إلى دراسة ما الذى يراه هؤلاء؟ كيف تبدو لهم تلك التسلسلات منطقية؟ وبناء عليه، فأى نوع من القرارات يمكن لعقليات مماثلة أن تتخذها فى قرارات مصيرية، مثل التصويت على دستور أو اختيار ممثلى برلمان، أو إن شاء الله إن شاء الله كده انتخاب رئيس؟

    نهايته، ها نحن نستقبل العام ببداية تجعل التشكيك فى نزاهة علي بابا والمُطالبة بمحاكمته تبدو أقرب إلى المنطق، وهاهي البلد تتحول إلى مرستان كبير يختلط فيه الصحيح بالمعتل، وها هم يكررون خطأ يحيى الفخراني مرة أخرى بالمشي ورا العيال، وربنا يكملها بالستر.

*المصدر : ويكيبيديا